فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في السورة الكريمة:

قال عليه الرحمة:
سورة نوح عليه السلام:
قوله جل ذكره: (بسم الله الرحمن الرحيم)
(بسم الله) اسم لمن قامت السموات والأرض بقدرته واستقامت الأسرار والقلوب بنصرته، دلت الأفعال على جلال شأنه، وذلت الرقاب عند شهود سلطانه.
أشرقت الأقطار بنوره في العقبى، وأشرقت الأسرار بظهوره في الدنيا، فهو المقدس بالوصف الأعلى.
قوله جلّ ذكره: {إِنّآ أرْسلْنا نُوحا إِلى قوْمِهِ أنْ أنذِرْ قوْمك مِن قبْلِ أن يأْتِيهُمْ عذابٌ ألِيمٌ}.
أرسلنا نوحا بالنبوّةِ والرسالة. {أنْ أنذِرْ قوْمك} أي بأن أنذرهم وإرسالُ الرُّسُل من الله فضلٌ، وله بحق مُلْكه ان يفعل ما أراد، ولم يجبْ عليه إرسالُ الرُّسُلِ لأن حقيقته لا تقبل الوجوب.
وإرسالُ الرسلِ إلى منْ علِم أنه لا يقْبل جائز، وتكليفُهم من ناحية العقل جائز فنوحٌ- علِم منهم أنهم لا يقبلون.. ومع ذلك بلّغ الرسالة وقال لهم: {إِنِّى لكُمْ نذِيرٌ مُّبِينٌ}.
قوله جلّ ذكره: {قال ياقوْمِ إِنِّى لكُمْ نذِيرٌ مُّبِينٌ أنِ اعْبُدُواْ اللّه واتّقُوهُ وأطِيعُونِ يغْفِرْ لكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ ويُؤخِّرْكُمْ إِلى أجلٍ مُّسمّى إِنّ أجل اللّهِ إِذا جاء لا يُؤخّرُ لوْ كُنتُمْ تعْلمُون}.
{يغفر لكم من ذنوبكم} مِنْ هنا للجنس لا للتبعيض كقوله تعالى: {فاجْتنِبُواْ الرِّجس مِن الأوْثانِ} [الحج: 30].
ويقال: ما عملوه دون ما هو معلوم أنهم سيفعلونه؛ لأنه لو أخبرهم بأنه غفر لهم ذلك كان إغراء لهم.. وذلك لا يجوز. فأبوا أن يقْبلوا منه، فقال: {قال ربِّ إِنِّى دعوْتُ قوْمِى ليْلا ونهارا فلمْ يزِدْهُمْ دُعاءِى إِلاّ فِرارا}.
بيّن أنّ الهداية ليست إليه، وقال: إنْ أردْت إِيمانهم فقلوبُهم بقدرتك- سبحانك.
قوله جلّ ذكره: {وأصرُّواْ واسْتكْبرُواْ اسْتِكْبارا}.
وإِنِّي ما ازددْتُ لهم دعاء إلا ازدادوا إصرارا واستكبارا.
ويقال: لمّا دام بينهم إصرارُهم تولّد من الإصرار استكبارُهم، قال تعالى: {فطال عليْهِمْ الأمدُ فقستْ قُلُبُهُمْ} [الحديد: 16].
قوله جلّ ذكره: {ثُمّ إِنِّى دعوْتُهُمْ جِهارا ثُمّ أعْلنتُ لهُمْ وأسْررْتُ لهُمْ إِسْرارا فقُلْتُ اسْتغْفِرُوا ربّكُمْ إِنّهُ كان غفّارا يُرْسِلِ السّماء عليْكُم مِّدرارا ويُمْدِدْكُم بِأمْوالٍ وبنِين ويجْعل لّكُمْ جنّاتٍ ويجْعل لّكُمْ أنْهارا}.
ليعلم العالِمون: أن الاستغفار قرْعُ أبوابِ النعمة، فمن وقعت له إلى اللّهِ حاجةُ فلن يصِل إلى مرادِه إلاّ بتقديم الاستغفار.
ويقال: منْ أراد التّفضُّل فعليه بالعُذْرِ والتنصُّل.
قوله: {يُرْسِلِ السّماء عليْكُمْ}: كان نوح عليه السلام كلمّا ازداد في بيان وجوه الخير والإحسان زادوا هم في الكفر والنسيان.
قوله جلّ ذكره: {مّا لكُمْ لا ترْجُون لِلّهِ وقارا}.
ما لكْم لا تخافون للّهِ عظمة؟ وما لكم لا ترجون ولا تؤمِّلون على توقيركم للأمرِ من اللّهِ لُطْفا ونعمة؟.
{ألمْ تروْا كيْف خلق اللّهُ سبْع سماواتٍ طِباقا (15) وجعل الْقمر فِيهِنّ نُورا وجعل الشّمْس سِراجا (16)}
ثم نبّههُم إلى خلْقِ السموات والأرض وما فيهما من الدلالات على أنها مخلوقة، وعلى أنّ خالقها يستحقُّ صفاتِ العُلُوِّ والعِزّة.
{قال نُوحٌ ربِّ إِنّهُمْ عصوْنِي واتّبعُوا منْ لمْ يزِدْهُ مالُهُ وولدُهُ إِلّا خسارا (21) ومكرُوا مكْرا كُبّارا (22)}
ثم شكا نوحٌ إلى الله وقال: {قال نُوحٌ رّبِّ إِنّهُمْ عصونِى واتّبعُواْ من لّمْ يزِدْهُ مالُهُ وولدُهُ إِلاّ خسارا ومكرُواْ مكْرا كُبّارا} يعني كبراءهم وأغنياءهم الذين ضلُّوا في الدنيا وهلكوا في الآخرة.
{وقال نُوحٌ ربِّ لا تذرْ على الْأرْضِ مِن الْكافِرِين ديّارا (26)}
وذلك بتعريفِ اللّهِ تعالى إيّاه أنّه لن يؤمِن من قومك إلاّ من قد آمن. فاستجاب الله فيهم دعاءه وأهلكهم. اهـ.

.من فوائد ابن العربي في السورة الكريمة:

قال رحمه الله:
سورة نوح فِيها ثلاثُ آياتٍ:
الْآيةُ الْأُولى قوله تعالى: {ما لكُمْ لا ترْجُون لِلّهِ وقارا} فِيها مسْألتانِ:
المسألة الْأُولى:
قولهُ: {لا ترْجُون لِلّهِ وقارا} يعْنِي لا تخْشوْن لِلّهِ عِقابا.
وعبّر عنْ الْعِقابِ بِالْوقارِ؛ لِأنّ منْ عظّمهُ فقدْ عرفهُ، وعنْ الْخشْيةِ بِالرّجاءِ؛ لِأنّها نظِيرتُهُ.
المسألة الثّانِيةُ:
قولهُ: {وقدْ خلقكُمْ أطْوارا} يعْنِي فِي الطُّولِ والْقِصرِ، والسّوادِ والْبياضِ، والْعِلْمِ والْجهْلِ، والْإِيمانِ والْكُفْرِ، والطّاعةِ والْمعْصِيةِ، وكُلِّ صِفةٍ ونعْتٍ تكُونُ لهُمْ، وكذلِك تدْبِيرُهُ فِي النّشْأةِ مِنْ تُرابٍ إلى نُطْفةٍ إلى علقةٍ، إلى مُضْغةٍ، إلى لحْمٍ ودمٍ، وخلْقٍ سوِيٍّ.
وتحْقِيقُ الْقول فِيهِ: ما لكُمْ لا تُؤمِّلُون توْقِيركُمْ لِأمْرِ اللّهِ ولُطْفِهِ ونِعْمتِهِ.
أدْخلها الْقاضِي أبُو إِسْحاق فِي الْأحْكامِ.
الْآيةُ الثّانِيةُ قوله تعالى: {وقال نُوحٌ ربِّ لا تذرْ على الْأرْضِ مِنْ الْكافِرِين ديّارا} فِيها ثلاثُ مسائِل:
المسألة الْأُولى:
لمّا قال لِنُوحٍ عليه السلام: {أنّهُ لنْ يُؤْمِن مِنْ قوْمِك إلّا منْ قدْ آمن} حِين اسْتنْفد ما فِي أصْلابِ الرِّجالِ وما فِي أرْحامِ النِّساءِ مِنْ الْمُؤْمِنِين، دعا عليْهِمْ نُوحٌ بِقولهِ: {ربِّ لا تذرْ على الْأرْضِ مِنْ الْكافِرِين ديّارا} فأجاب اللّهُ دعْوتهُ، وأغْرق أُمّتهُ.
وهذا كقول النّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «اللّهُمّ مُنْزِل الْكِتابِ، سرِيع الْحِسابِ، هازِم الْأحْزابِ، اهْزِمْهُمْ وزلْزِلْهُمْ».
المسألة الثّانِيةُ:
دعا نُوحٌ على الْكافِرِين أجْمعِين، ودعا النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم على منْ تحزّب على الْمُؤْمِنِين، وألّب عليْهِمْ، وكان هذا أصْلا فِي الدُّعاءِ على الْكُفّارِ فِي الْجملة، فأمّا كافِرٌ مُعيّنٌ لمْ تُعْلمْ خاتِمتُهُ فلا يُدْعى عليْهِ؛ لِأنّ مآلهُ عِنْدنا مجْهُولٌ، ورُبّما كان عِنْد اللّهِ معْلُوم الْخاتِمةِ لِلسّعادةِ؛ وإِنّما خصّ النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الدُّعاء على عُتْبة وشيْبة وأصْحابِهِ لِعِلْمِهِ بِمآلِهِمْ، وما كُشِف لهُ مِنْ الْغِطاء عنْ حالِهِمْ.
واللّهُ أعْلمُ.
المسألة الثّالِثةُ:
إنْ قِيل: لِم جعل نُوحٌ دعْوتهُ على قوْمِهِ سببا لِتوقُّفِهِ عنْ طلبِ الشّفاعةِ لِلْخلْقِ مِنْ اللّهِ فِي الْآخِرةِ.
قُلْنا: قال النّاسُ: فِي ذلِك وجْهانِ: أحدُهُما أنّ تِلْك الدّعْوة نشأتْ عنْ غضبٍ وقسْوةٍ؛ والشّفاعةُ تكُونُ عنْ رِضا ورِقّةٍ، فخاف أنْ يُعاتب بِها، فيُقال: دعوْت على الْكُفّارِ بِالْأمْسِ وتشْفعُ لهُمْ الْيوْم.
الثّانِي: أنّهُ دعا غضبا بِغيْرِ نصٍّ ولا إذْنٍ صرِيحٍ فِي ذلِك؛ فخاف الدّرْك فِيهِ يوْم الْقِيامةِ، كما قال مُوسى: إنِّي قتلْت نفْسا لمْ أُومرْ بِقتْلِها.
وبِهذا أقول واللّهُ أعْلمُ، وتمامُهُ قدْ ثبت فِي الْقِسْمِ الثّانِي.
الْآيةُ الثّالِثةُ قوله تعالى: {ربِّ اغْفِرْ لِي ولِوالِديّ ولِمنْ دخل بيْتِي مُؤْمِنا ولِلْمُؤْمِنِين والْمُؤْمِناتِ ولا تزِدْ الظّالِمِين إلّا تبارا}.
قال الْمُفسِّرُون: معْناهُ مسْجِدِي؛ فجعل دُخُول الْمسْجِدِ سببا لِلدُّعاءِ بِالْمغْفِرةِ، وقدْ قال النّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إنّ الْملائِكة تُصلِّي على أحدِكُمْ ما دام فِي مُصلّاهُ الّذِي صلّى فِيهِ ما لمْ يُحْدِثْ، تقول: اللّهُمّ اغْفِرْ لهُ، اللّهُمّ ارْحمْهُ»، حسْبما ثبت فِي صحِيحِ الرِّوايةِ.
وفضْلُ الْمساجِدِ كثِيرٌ، قدْ أثْبتْناهُ فِي صحِيحِ الْحديث وشرْحِهِ. اهـ.

.قال الشنقيطي:

سورة نوح:
قوله تعالى: {إِنّك إِنْ تذرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادك ولا يلِدُوا إِلاّ فاجِرا كفّارا}
هذه الآية الكريمة تدل على أن نوحا عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام عالم بما يصير إليه الأولاد من الفجور والكفر قبل ولادتهم وقد جاءت آيات أخر تدل على أن الغيب لا يعلمه إلا الله كقوله: {قُلْ لا يعْلمُ منْ فِي السّماواتِ والأرْضِ الْغيْب إِلاّ اللّهُ} وكقول نوح نفسه فيما ذكره الله عنه في سورة هود: {قُلْ لا أقول لكُمْ عِنْدِي خزائِنُ اللّهِ ولا أعْلمُ الْغيْب}.
الآية.
والجواب عن هذا ظاهر وهو أنه علم بوحي من الله أن قومه لا يؤمن منهم أحد إلا من آمن كما بينه بقوله تعالى: {وأُوحِي إِلى نُوحٍ أنّهُ لنْ يُؤْمِن مِنْ قوْمِك إِلاّ منْ قدْ آمن}. الآية. اهـ.